كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنَّهُ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ تَوَقَّفَ جَمْعٌ مِنْ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ عَنْ الْإِفْتَاءِ فِي ذَلِكَ وَتَبِعَهُمْ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَلَا فَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَبِالطَّلَاقِ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَنْسَى فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَوْ يَنْسَى فَيَحْلِفَ عَلَى مَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ كَأَنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ وَقَعَ جَاهِلًا بِهِ أَوْ نَاسِيًا لَهُ، وَإِنْ قَصَدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِ كَمَا بَسَطْته فِي الْفَتَاوَى خِلَافًا لِكَثِيرِينَ، وَإِنْ أَلَّفَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِيهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الَّذِي يَلْتَئِمُ بِهِ أَطْرَافُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الظَّاهِرِ التَّنَافِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ أَوْ سَيَكُونُ أَوْ إنْ لَمْ أَكُنْ فَعَلْت أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَ أَوْ فِي الدَّارِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ أَوْ اعْتِقَادًا لِجَهْلِهِ بِهِ أَوْ نِسْيَانِهِ لَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا ظَنَّهُ أَوْ اعْتَقَدَهُ فَإِنْ قَصَدَ بِحَلِفِهِ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي ظَنِّهِ أَوْ اعْتِقَادِهِ أَوْ فِيمَا انْتَهَى إلَيْهِ عِلْمُهُ أَيْ لَمْ يَعْلَمْ خِلَافَهُ فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَبَطَ حَلِفَهُ بِظَنِّهِ أَوْ اعْتِقَادِهِ، وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهِيَ إدْرَاكُ وُقُوعِ النِّسْبَةِ أَوْ عَدَمِهِ بِحَسَبِ مَا فِي ذِهْنِهِ لَا بِحَسَبِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِعَدَمِ حِنْثِ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُهُمَا فِي الْأَيْمَانِ إنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ عَلَى الْمَاضِي كَالْمُسْتَقْبَلِ وَإِنَّهُ إنْ جَهِلَ فَفِي الْحِنْثِ قَوْلَانِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا.
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إجْرَاءِ الْخِلَافِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَدَّعِ اللُّزُومَ وَالظَّاهِرُ كَافٍ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا قَوْلُهُمَا لَوْ حَلَفَ شَافِعِيٌّ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَصَحُّ الْمَذَاهِبِ وَعَكَسَ الْحَنَفِيُّ لَمْ يَحْنَثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا حَلَفَ عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ الْمَعْذُورِ فِيهِ أَيْ لِعَدَمِ قَاطِعٍ هُنَا، وَلَا مَا يَقْرُبُ مِنْهُ وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّ أَدِلَّةَ قِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ لَمَّا قَارَبَتْ الْقَطْعَ نُزِّلْت مَنْزِلَةَ الْقَطْعِيِّ فَأُلْحِقَتْ بِمَا قَبْلَهَا، وَمِنْهَا قَوْلُ الرَّوْضَةِ لَوْ جَلَسَ مَعَ جَمَاعَةٍ فَقَامَ وَلَبِسَ خُفَّ غَيْرِهِ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ اسْتَبْدَلْت بِخُفِّك فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَكَانَ خَرَجَ بَعْدَ الْجَمِيعِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَخَذَ بَدَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ بِمَا لَا يَنْفَعُ، وَإِنْ قَصَدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِأَنْ يُقْصَدَ بِهِ مَا يُقْصَدُ بِالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ حَنِثَ كَمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِوُجُودِ صِفَةٍ وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي قَصْدِهِ إنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمَا أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ ذَلِكَ لَا بِالْحَيْثِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا بِأَنْ قَصَدَ أَنَّهُ فِي الْوَاقِعِ كَذَلِكَ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِ إذْ مَعَ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ لَا وَجْهَ لِعَدَمِ الْوُقُوعِ إذَا بَانَ أَنَّ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ خِلَافُ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي مَوَاضِعَ كَقَوْلِهِمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّ هَذَا الذَّهَبَ هُوَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ فُلَانٍ فَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةَ نَفْيٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ.
وَحَمْلُ الْإِسْنَوِيِّ لَهُ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ مُرَادُهُ بِهِ الْقَاصِدُ لِمَا ذَكَرَ بِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِذَلِكَ لِيَخْرُجَ الْجَاهِلُ فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ إيَّاهُ، وَهُوَ غَيْرُهُ يَكُونُ جَاهِلًا وَالْجَاهِلُ لَا يَحْنَثُ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الْأَيْمَانِ فَتَفَطَّنْ لَهُ وَاسْتَحْضِرْهُ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ فِي الْفَتَاوَى، وَقَدْ ذَهِلَا عَنْهُ فِي مَسَائِلَ، وَإِنْ تَفَطَّنَا لَهُ فِي مَسَائِلَ أُخْرَى. اهـ. فَقَوْلُهُ يَعْتَقِدُهُ إيَّاهُ يُفْهِمُ مَا قَدَّمْته أَنَّ مَنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَحْنَثُ كَمَا تَقَرَّرَ وَكَقَوْلِهِمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَشَهِدَ عَدْلَانِ أَيْ أَخْبَرَاهُ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَصَدَّقَهُمَا لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمَا وَبِحَمْلِهِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا سَقَطَ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ، وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ الْحَقُّ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُ النَّاسِي. اهـ. وَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَأَخْبَرَهُ مَنْ صَدَّقَهُ فَقِيَاسُ نَظَائِرِهِ السَّابِقَةِ فِي نَحْوِ الشُّفْعَةِ وَرَمَضَانَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فَاسِقًا وَقِيَاسُ هَذَيْنِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي إخْبَارِ الْعَدْلَيْنِ إلَى تَصْدِيقٍ فَلْيُحْمَلْ وَصَدَّقَهُمَا السَّابِقُ عَلَى مَا إذَا عَارَضَهُمَا قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ تُكَذِّبُهُمَا وَكَقَوْلِهِمَا لَوْ قَالَ السُّنِّيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَكَسَ الْمُعْتَزِلِيُّ أَوْ الرَّافِضِيُّ حَنِثَا، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ شَافِعِيٌّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهُ وَعَكَسَهُ الْحَنَفِيُّ فَيَحْنَثُ.
وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ طَوِيلٌ وَالْمُعْتَمَدُ مِنْهُ مَا قَرَّرْته وَفَارَقَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ مَنْ خَاطَبَ زَوْجَتَهُ بِطَلَاقٍ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ هُنَا لَمَّا رَبَطَهُ بِظَنِّهِ كَانَ مُعَلَّقًا لَهُ عَلَى مَا يُجْهَلُ وُجُودُهُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ جَاهِلًا بِكَوْنِهِ الْمُعَلَّقَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْهُ فِي مَحَلِّهِ أَصْلًا، وَأَمَّا ثَمَّ فَأَوْقَعَهُ فِي مَحَلِّهِ وَقَرَنَهُ بِظَنِّ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً الْمُخَالِفِ لِلْوَاقِعِ وَالْغَيْرِ الْمُعَارِضِ لِمَا نَجَزَهُ وَأَوْقَعَهُ فَلَمْ يَدْفَعْهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا مَعَ مَا تَقَرَّرَ فِي إنْ لَمْ أَكُنْ فَعَلْت وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهُ لَوْ غُيِّرَتْ هَيْئَةُ زَوْجَتِهِ فَقِيلَ لَهُ هَذِهِ زَوْجَتُك فَأَنْكَرَ ثُمَّ قَالَ إنْ كَانَتْ زَوْجَتِي فَهِيَ طَالِقٌ ظَانًّا أَنَّهَا غَيْرُهَا لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ تَعْلِيقًا مَحْضًا وَإِنَّمَا هُوَ تَحْقِيقُ خَبَرٍ، وَهُوَ يُنَاطُ بِمَا فِي الظَّنِّ كَمَا مَرَّ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ التَّوَسُّطِ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ سَرَقَ مَالِي فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ سَرَقَهُ لَمْ تَطْلُقْ. اهـ. وَمُرَادُهُ أَنَّهُ ظَنَّ ذَلِكَ وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ نَسِيَ أَوْ أُكْرِهَ أَوْ قَالَ لَا أَفْعَلُهُ عَامِدًا، وَلَا غَيْرَ عَامِدٍ حَنِثَ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا وَأُلْحِقَ بِهِ مَا لَوْ قَالَ لَا أَفْعَلُ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ أَوْ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَى فَنَسِيَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسَ بَلْ نُسِّيَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ) سَيَأْتِي فِي التَّعْلِيقِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ الْمُبَالِي عَنْ ابْنِ رَزِينٍ أَنَّهُ لَا وُقُوعَ فِي الْإِطْلَاقِ وَالْوَجْهُ أَنَّ مَا هُنَا كَذَلِكَ وِفَاقًا لِمَ ر.
(قَوْلُهُ بِبَاطِلٍ أَوْ بِحَقٍّ) تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ الْإِكْرَاهِ أَنَّ الَّذِي أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ فِيمَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِصِفَةٍ أَنَّهَا إنْ وُجِدَتْ بِإِكْرَاهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ تَنْحَلَّ بِهَا كَمَا لَمْ يَقَعْ بِهَا أَوْ بِحَقٍّ حَنِثَ وَانْحَلَّتْ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ بِمَا فِيهِ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مُكْرَهٍ بِبَاطِلٍ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي فِي التَّعْلِيقِ مِنْ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِفِعْلِهِ لَوْ فَعَلَ مُكْرَهًا بِبَاطِلٍ أَوْ بِحَقٍّ لَا حِنْثَ خِلَافًا لِجَمْعٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ عَلَى الطَّلَاقِ فَاشْتُرِطَ تَعَدِّي الْمُكْرِهِ بِهِ لِيُعْذَرَ الْمُكْرَهُ وَثَمَّ فِي أَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ هَلْ هُوَ مَقْصُودٌ بِالْحَلِفِ عَلَيْهِ أَوْ لَا كَالنَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَالْأَصَحُّ الثَّانِي فَلَا يَتَقَيَّدُ بِحَقٍّ، وَلَا بَاطِلٍ وَبِهَذَا يَتَّجِهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ فِي إنْ أَخَذْت حَقَّك مِنِّي فَأَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ حَتَّى أَعْطَى بِنَفْسِهِ وَانْدَفَعَ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ الْمُتَّجِهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ كَطَلَاقِ الْمَوْلَى إلَخْ.
(قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ) هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتُخْبِرُ.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ يُنْظَرُ) النَّظَرُ فِيهِ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ.
(قَوْلُهُ: لَا بِحُكْمِهِ) عَطْفٌ عَلَى بِأَنَّهُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَعَبَّرَ شَيْخُنَا بِكَوْنِهِ يُعْتَمَدُ إلَخْ) حَيْثُ ظَنَّ صِدْقَ الْفَقِيهِ فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْإِفْتَاءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ إذْ الْمَدَارُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَعَدَمِهَا لَا عَلَى الْأَهْلِيَّةِ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: أَوْ يَنْسَى فَيَحْلِفُ عَلَى مَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ كَأَنْ حَلَفَ إلَخْ) قَالَ السُّيُوطِيّ تَكَرَّرَ السُّؤَالُ عَمَّنْ حَلَفَ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ كَانَ كَذَا أَوْ لَمْ يَكُنْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ هَلْ يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ وَالطَّلَاقِ أَوْ لَا يَحْنَثُ فِيهِمَا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَأَجَبْت بِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ الْحِنْثَ بِخِلَافِ صُورَةِ الِاسْتِقْبَالِ وَأَطَالَ فِي الِاحْتِجَاجِ لِذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُؤْخَذُ جَوَابُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْحَاصِلِ الْمَذْكُورِ أَيْ بَعْدُ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ إلَخْ) فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنِّي أَجْوَدُ مِنْ فُلَانٍ فَهَلْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ وَرَجُلٌ حَلَفَ أَنَّ هَذَا الشَّاشَ الَّذِي عَلَى رَأْسِ زَيْدٍ لِعَمْرٍو وَأَشَارَ إلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّ الشَّاشَ لِغَيْرِهِ وَكَانَ الْحَالِفُ عَهِدَ شَاشَ عَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ فَهَلْ يُغَلَّبُ جَانِبُ الْإِشَارَةِ عَلَى الظَّنِّ وَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ لَا وَرَجُلٌ أَكْرَهَ زَيْدًا عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فِي مَجْلِسِهِ بِطَلْقَةٍ فَلَمْ يَرْفَعْهَا فِي مَجْلِسِهِ ثُمَّ إنَّهُ خَرَجَ فِي التَّرْسِيمِ وَخَلَعَ زَوْجَتَهُ بِطَلْقَةٍ عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ فَهَلْ يُعَدُّ ذَلِكَ إكْرَاهًا، وَلَا يَحْنَثُ أَمْ يَقَعُ عَلَيْهِ بِصَرِيحِ الْخُلْعِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ وَمَا هُوَ الْأَجْوَدُ هَلْ الْأَفْضَلُ دِينًا أَوْ النَّسِيبُ أَوْ الْأَكْرَمُ الْجَوَابُ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ تَارَةً يَعْرِفُ النَّاسُ أَنَّ الْحَالِفَ أَجْوَدُ أَيْ أَدْيَنُ مِنْ الْآخَرِ فَلَا حِنْثَ وَتَارَةً يَعْرِفُونَ أَنَّ الْآخَرَ أَدْيَنُ مِنْهُ فَيَحْنَثُ وَتَارَةً لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِمَا مُتَقَارِنَيْنِ فِي الدِّينِ أَوْ النَّسَبِ لَا، وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا أَمْيَزُ فَلَا حِنْثَ لِلشَّكِّ وَمَسْأَلَةُ الشَّاشِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدِي وَلِي فِي ذَلِكَ مُؤَلَّفٌ وَمَسْأَلَةُ الْمُخَالِعِ يَقَعُ فِيهَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ. اهـ.
وَأَقُولُ لَا يَخْفَى مَا فِي جَوَابِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي هَذَا الْحَاصِلِ فَإِنَّ الْمُوَافِقَ لِعَدَمِ الْحِنْثِ بِالْحَلِفِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ عَدَمُ الْحِنْثِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا ظَنَّ الْحَالِفُ أَنَّهُ أَجْوَدُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْوَاقِعِ، وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَصَدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ السَّابِقِ فَإِنْ قَصَدَ بِحَلِفِهِ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي ظَنِّهِ أَوْ اعْتِقَادِهِ إلَخْ، وَقَدْ جَعَلَ هَذِهِ الْمُقَابَلَاتِ أَقْسَامًا لِقَوْلِهِ وَالْحَاصِلُ إلَخْ الَّذِي مِنْهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ إلَخْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ حَنِثَ مُقَيَّدًا بِالتَّبَيُّنِ، وَقَدْ جَعَلَ مِنْ أَمْثِلَة ذَلِكَ مَسَائِلَ السُّنِّيِّ وَالْمُعْتَزِلِيِّ وَالرَّافِضِيِّ الْآتِيَةَ مَعَ أَنَّ تَبَيُّنَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهَا وَكَانَ مُرَادُهُ بِالتَّبَيُّنِ مَا يَشْمَلُ ظُهُورَ الدَّلِيلِ وَقُوَّتَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: حَنِثَ، وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةً عَلَى نَفْيٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إذَا قَبِلْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ الْمَحْصُورِ، وَهُوَ الْحَقُّ فَمَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْحِنْثِ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى قَاعِدَتِهِ فَإِنَّهُ إذَا حَلَفَ مُعْتَقِدًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَيْسَ هُوَ إيَّاهُ يَكُونُ جَاهِلًا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَاهِلَ لَا يَحْنَثُ إلَخْ وَنَقَلَ السَّيِّدُ أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ ثُمَّ قَالَ إنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنَّهُ ادَّعَى الْغَلَطَ، وَلَمْ يُكَذِّبْ الشَّاهِدَيْنِ فَالِاعْتِرَاضُ مُتَوَجِّهٌ، وَإِنْ كَانَ مِصْرًا عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَالِاعْتِرَاضُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الْمُتَّجِهُ خِلَافُهُ فَتَأَمَّلْهُ قَالَ السَّيِّدُ قُلْت: وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لِلْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَحُجَّ هَذَا الْعَامَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ كَانَ بِالْكُوفَةِ يَوْمَ الْأَضْحَى وَقَالَ هُوَ قَدْ حَجَجْت أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ امْرَأَتَهُ تَطْلُقُ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا عَدَلَ عَنْ دَعْوَى النِّسْيَانِ إلَى دَعْوَى الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَا يَقْتَضِي تَكْذِيبَهُ حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِمُقْتَضَاهَا فَقِيَاسُهُ فِي مَسْأَلَةِ الرُّويَانِيِّ أَيْ مَسْأَلَةِ الْمَذْهَبِ الْمَذْكُورَةِ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ حَيْثُ أَصَرَّ عَلَى تَكْذِيبِهَا، وَلَمْ يَدَّعِ الْغَلَطَ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. اهـ. كَلَامُ السَّيِّدِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَذْهَبِ الْمَذْكُورَةِ اعْتَمَدَ ظَنَّهُ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجِّ.